فصل: مسألة توفي وترك مالا وورثة وأوصى إلى رجل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يتيم لرجل أمر نسيبا له بغلام له أن يضربه فقتله:

قال وسمعته يسأل عن يتيم لرجل أمر نسيبا له بغلام له أن يضربه، فجعل نسيبه يضرب الغلام، وهو يقول: اقتل اضرب فلم يزل يضربه حتى قتله، فقال: على نسيبه الذي ضربه له غرمه، فقال له وصي اليتيم: فإني استعديت عليه، فاغرم لي، ثم إن يتيمي حضرته الوفاة، فخاف مما كان يرى من ذلك فأوصى بوصايا وقال: قد كنت وقعت في أمر ذلك الغلام فيما تعلم فاشتر رقبة فأعتقها عني، فزاد ما أوصى به على الثلث فأردت أن أشتري الرقبة فأعتقها فأبى أهل الوصايا، فقال: إن لم يكن سمى ذلك العتق، فكان لما وقع فيه من أمر الغلام، فذلك بالحصص فإن كان سمى ذلك فهو مبدأ.
قال محمد بن رشد: كفارة قتل العبد ليست بواجبة، فإذا أوصى بها فلا تجب تبدئتها على الوصايا؛ لأنها تطوع، إذ ليست بواجبة، والعتق التطوع إذ لم يكن بعينه لا يبدأ على الوصايا عند مالك، وإن كان عنده آكد منه لقرب ما بينهما، وإنما أمر بتبدئة هذه الرقبة على الوصايا إذ قال: إنه إنما أوصى بها لما وقع فيه من أمر الغلام، إذ لم يقصد إلى قتله وإنما أراد ضربه، فجاء من موته من الضرب ما لم يرده، فأشبه الخطأ، إذ ليس بعمد على الحقيقة، وإنما هو شبه العمد، ومن أهل العلم من لا يرى فيه القصاص، فهو وجه ما أمر به مالك من تبدئة هذه الرقبة على الوصايا. والله أعلم.

.مسألة أوصى أن تباع جارية له ممن أحبت وأوصى مع ذلك بوصايا:

قال وسمعته يسأل عمن أوصى أن تباع جارية له ممن أحبت، وأوصى مع ذلك بوصايا، وله حائط لا يدري ما تبلغ غلته ولا يدري ما يدخل عليها من القول فيما أوصى لها به؟ فقالت: بيعوني من فلان فقومت بمائتي دينار، فقال الذي هويت أن يشتريها أنا أشتريها بمائتي دينار، ولي ثلث ثمنها؛ لأن الميت أوصى أن تباع ممن أحبت. قيل له: إنا نخاف أن يدخل عليها عول في ثلث ثمنها، فقال: يصير لها من ذلك ما صار، فهو لي، فبعناه إياها بمائتي دينار، وعلى هذا من الشرط، فقال: هو الآن لا يدري بكم اشتراها؟ ففيه شيء، ولكن الصواب عندي أن لو بعتموها إياه بمائتي دينار، على أن لها وصية فما صار لها منها دفعناه إليها، وهي جاريتك، فإن شئت أن تأخذه بعد أخذته، وإن شئت أن تتركه تركته فقيل له: إنه لم يوص لها بشيء، إنما أوصى أن تباع ممن أحبت، فقال: هذا الصواب عندي، فروجع في ذلك مرارا، فقال: كنت أرى هذا الصواب أن يقول: ولها وصية، فما صار لها هناك دفعناه إليها، ولا يقولون: فما صار لها دفعناه إليك، هذا الوجه والذي هو أحسن.
قال محمد بن رشد: بيع الجارية من الرجل الذي أحبت أن تباع منه على هذا الوجه الذي قاله مالك حسن. كما استحسنه، يصل المشتري به إلى ما أراده على وجه جائز، كأن حقيقة الوصية إنما هي لها، إذا القصد بها أن يصل بذلك أن يبتاعها من تحب أن تباع منه. ألا ترى أنه لو اشتراها بقيمتها ولم يعلم بالوصية لما كان له أن يرجع على الورثة، على ما قاله فوق هذا. وقد يفترق الحلال من الحرام، وإن كان المعنى المقصود إليه فيها سواء بافتراق اللفظ، إذا افترق بذلك الحكم. ألا ترى أنه لو قال الرجل للرجل الغائص في البحر: استأجرك بدينار على أن تغوص لي في هذا الموضع فتخرج هذه النحلات مملوءة مما أصبت في قعره لجاز؟ ولو قال له: غص في هذا الموضع وأخرج هذه النحلات مملوءة مما أصبت في قعره وهي لي بدينار لم يجز؛ لأن هذا بيع غرر، والأول إجارة صحيحة. والغرض فيها سواء إلا أن الأحكام في ذلك مفترقة، لمخالفة حكم البيع لحكم الإجارة. وسيأتي في رسم استأذن من سماع عيسى أنها تبدأ بثلث ثمنها على أهل الوصايا، حسبما يأتي القول عليه فيه إن شاء الله. وبه التوفيق.

.مسألة كم يوضع من ثمن الذي أوصى فيه أن يباع للعتق:

قال: سمعته يسأل كم يوضع من ثمن الذي أوصى فيه أن يباع للعتق، فقال: الثلث، مثل الذي يوصي فيقول: بيعوا عبدي ممن أحب، فقيل له: أرأيت إن لم يوجد من يشتريه إلا بوضيعة الثلثين؟ فقال: لا يباع ولا تنفذ له الوصية.
قال محمد بن رشد: في كتاب الوصايا الأول من المدونة لمالك من رواية ابن القاسم عنه: إنه يقال للورثة: إما أن تبيعوا بما وجدتم وإما أعتقتم من العبد ثلثه. وقال ابن القاسم: هذا مما لم يختلف فيه قول مالك. وقد اختلف قوله على ما في هذه الرواية عنه. فقول سحنون في المدونة: وقد بينا هذا الأصل باختلاف الرواية قبل هذا، أصح من قول ابن القاسم فيها: إن هذا مما لم يختلف فيه قول مالك؛ لأنه أصل قد اختلف فيه قوله. فمرة رد قوله: بيعوا عبدي ممن يعتقه أو ممن أحب، وصية للعبد، فقال: إن لم يرد الذي أحب العبد أن يباع منه أن يشتريه إلا بأكثر من وضيعة ثلث ثمنه، قيل للورثة: إما بعتموه منه بما أراد وإلا أعتقتم ثلثه، وإن لم يجد الورثة من يشتريه للعتق إلا بوضيعة أكثر من ثلث ثمنه، قيل لهم: إما بعتموه للعتق بما وجدتم، وإلا أعتقتم ثلثه، ومرة ردها وصية للمشتري في المسألتين، فقال: ليس على الورثة أكثر من أن يبذلوه للعتق، وللذي أحب العبد أن يباع منه بوضيعة الثلث، ومرة فرق بين المسألتين، فرأى قوله: يبيعوا عبدي ممن يعتقه وصية للعبد إن لم يجد الورثة من يشتريه للعتق بوضيعة الثلث، قيل لهم: إما بعتموه بما وجدتم، وإما أعتقتم ثلثه، ورأى قوله: بيعوا عبدي ممن أحب وصية للمشتري إن لم يرد من أحب العبد أن يباع منه أن يشتريه بوضيعة الثلث، وعلى هذا الاختلاف، يختلف إذا دخل العبد عول بعد بيعه ونفوذ العتق له هل يرجع بالعول على المشتري وينفذ العتق، أو على العبد، فيباع منه بما دخله من العول، ولا يكون على المشتري شيء؟ وسيأتي في سماع موسى بن معاوية، إذا بيع للعتق بوضيعة الثلث، ثم جاء درك على المالك من دين ثبت عليه، فالاختلاف في ذلك، هل يرجع على العبد أو على المشتري جار على هذا الاختلاف. وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى فقال رقيقي وثيابي لفلان مات وقد هلك بعض رقيقه:

قال: وسمعته يسأل عمن، ثم أوصى فقال: رقيقي وثيابي لفلان مات وقد هلك بعض رقيقه، وخلق بعض ثيابه، واستفاد رقيقا وثيابا غير ثيابه ورقيقه، فقال: للموصى له رقيقه الذين استفاد، وثيابه، ومما يبينه أن يوصي بسدس ماله فله سدس ماله يوم مات.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في آخر رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، وفي أول رسم الوصايا الذي يتلوه، والله الموفق.

.مسألة توفي وأوصى إلى أخ له وترك ابنا فزوج العم ابن أخيه ابنته:

ومن كتاب الطلاق:
وسئل عمن توفي وأوصى إلى أخ له، وترك ابنا، فزوج العم ابن أخيه ابنته، فأمهرها من مال اليتيم مالا كثيرا، نحوا من نصف مال اليتيم، فكان الذي أصدقها خمسين دينارا، ثم مات العم الذي أوصي إليه باليتيم فأوصى بهما جميعا إلى رجل، فقال: ما كنت أرى أن يجوز ذلك، ولو فعل ذلك لغير ابنته لجاز ذلك، فأما ابنته يزوجها بيتيمه ويستكثر لها من الصداق، فلا أرى ذلك له، فقيل له: فإن الجارية قد فني مالها أفترى للذي أوصي إليه بها أن ينقص من ذلك المهر؟ فقال: أرى أن ينقص الذي أوصي بها إليه عشرين دينارا من الخمسين، ويكتب بذلك كتابا ويشهد عليه يقول: ذهب مالها، ورأيت ذلك خيرا له، فأرجو أن يكون من ذلك في سعة، فقيل له: أفترى أن ينفق عليها من مال زوجها فإنه قد ذهب مالها؟ فقال: أبلغ؟. فقيل قد راهق، فقال: لا أرى أن ينفق عليها من مال زوجها حتى يبلغ زوجها.
قال محمد بن رشد: إجازته في هذه الرواية للموصى لهما أن يرد الصداق إلى ما يرى نظرا لهما بما أشار به عليه، ويشهد على ذلك من فعله ونظره واجتهاده، دون أن يرفع ذلك إلى السلطان أو يحضر لفعله ذلك عدولا يشهدون له بالسداد بينهما فيما فعله، دليل بين أنه حمل فعله على السداد، خلاف قوله قرب آخر رسم الوصايا قبل هذا، وخلاف ما في القسمة من المدونة، مثل ما في كتاب الرهون منها، حسبما مضى هناك بيانه. وأما قوله: إنه لا ينفق عليها من مال زوجها حتى يبلغ، فهو مثل ما في المدونة، خلاف ما في مختصر محمد بن شعبان عن مالك، من أنه إذا بلغ الصبي الوطء وإن لم يحتلم، وجب عليه الدخول على زوجه، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى بوصايا من دينارين وثلاثة فدخل المال العول:

ومن كتاب العتق:
قال وسمعته يسأل عمن أوصى بوصايا من دينارين وثلاثة، وأشياء غير ذلك، وأن يشتري رقبة مكفولة أو معينة بعينها بعين مكتوب هذا في وصيته، فدخل المال العول، فقال: أرى كل ما أوصى يدخله العول، إلا الرقبة لأنه قال فيها: مكفولة أو معينة بعينها فإذا دخلها العول، لم تكن مكفولة ولا معينة بعينها.
قال محمد بن رشد: لمالك في كتاب ابن المواز من رواية أشهب أيضا وكذلك لو قال مستعينه أو محوزه، قيل لأشهب: فإن قال: مستعينه ابتديها. فقال: نعم، وهذا بين لا إشكال فيه؛ لأن الواجب في الوصايا أن يتبع فيها قول الموصي، فلا يخرج عما يظهر من إرادته، وعلى قياس هذا لو أوصى بوصايا أن تعتق عنه رقبة بغير عينها، وتعطى بعد العتق دنانير مسماة، لوجب أن تبدأ الرقبة على الوصايا دون الدنانير التي أوصى لها بها، فيحاص بها أهل الوصايا ولا يبدأ بها، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى أن يشترى عبد لبعض ورثته فيعتق عنه:

قال: وسألته عمن أوصى أن يشترى عبد لبعض ورثته فيعتق عنه، أيزاد الوارث مثل ثلث ثمنه؟ فقال لي: نعم، فقيل له: أرأيت إن كان العبد ذا ثمن يكون ثمنه مائتي دينار ألا يتهم على التوليج لوارثه؟ فقال: وهل يعلم هو أن وارثه يزاد في ثمن العبد مثل ثلث ثمنه؟ فقيل: نعم، هو يعلم ذلك، فقال: إنما هذا قضاء مضى به، ولم أسمع أن أحدا اتهم في مثل هذا. قال أشهب: لا أرى ما قال مالك في هذا صوابا، وأرى إن كان العبد الذي أوصى أن يعتق عنه خسيسا لا ثمن له حتى لا يتهم الميت أن يكون أراد بذلك وارثه، فأراد أن يزاد في العبد ثلث ثمنه، وإن كان ذا ثمن فإنه يتهم أن يكون أراد بذلك وارثه، فلا أراه يجوز له أن يزاد ثلث ثمنه على قيمته، إن شاء أن يبيعه بقيمته باعه وعتق، وإن أبى إلا أن يزاد لم يزد وبطل عتقه.
قال محمد بن رشد: قول مالك هذا خلاف ما في المدونة في البيوع الفاسدة والوصايا. وقال أشهب: يأتي على مذهبه فيها، ولو فرق في هذا بين الغلام الذي يعلم وجه الحكم فيه من الجاهل به لكان قولا. وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى لرجل بما يصيب رجلا من ولده فهلك بعضهم قبل أن يهلك الرجل:

وقال في رجل أوصى لرجل بما يصيب رجلا من ولده وهم يومئذ خمسة، فهلك بعضهم قبل أن يهلك الرجل، والوصية على حالها: إن للرجل الذي أوصى له ما يصيب رجلا منهم يوم يموت الهالك فإن ولد له قبل أن يموت الهالك حتى يكونوا أكثر من عددهم يوم أوصى فله أيضا ما يصيب رجلا، وإن هلكوا إلا رجلا واحدا، فهو حينئذ إن أخذ مثل ما يأخذ هذا الرجل الباقي من ولده أخذ أكثر من الثلث. قال مالك: ليس له ذلك، ولكن له الثلث حينئذ، وإنما ينظر في ذلك يوم يموت الموصي، فيكون له مصابة رجل يوم مات.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال: إنه إذا وصى له بمثل حظ أحد أولاده، فإنما له مثل حظ أحدهم يوم وجوب الوصية له قل عددهم أو كثر، لا يوم أوصى، إذ لم يوص له بجزء معلوم، ولو أوصى له بجزء معلوم لكان له ذلك الجزء من ماله يوم وجوب الوصية له بموته، لا تنقص منه ولا تزاد عليه. هذا ما لا اختلاف فيه لوجهين: أحدهما: أن القصد من الموصي في ذلك كله مفهوم معلوم، والثاني: أن الموصي محمول على أنه علم بزيادة ماله ونقصانه، وبنقصان عدد ولده وزيادتهم، فأقر وصيته في ذلك كله على حالها، ولم يغيرها، فوجب أن يعتبر في ذلك كله قل الأمر عليه يوم الموت، لا ما كان عليه يوم الوصية، ومن هذا المعنى إذا أوصى له بدنانير غير موصوفة، فحالت السكة بزيادة أو نقصان أو إلى خلافها في الصفة، أو أوصى له بكيل فزيد فيه أو نقص منه قبل موته، فروي عن ابن نافع فيمن أوصى بدنانير غير موصوفة، أنه يخرج عنه من السكة الجارية يوم موته، لا يوم وصيته، وذلك عندي إذا علم بما حالت إليه السكة قبل موته، فأقر وصيته ولم يغيرها على ما قال ابن كنانة في من أوصى لرجل بدنانير، فحال وزن الناس فصار يجوز بينهم أنقص من ذلك، أو أوزن، إنه إنما يعطى ما كان يجوز بين الناس بين موت الموصي إن كان يعلم جواز الناس يومئذ، وإن لم يكن يعلم فإنما للموصى له الوزن الذي كان يعلم به الموصي. قال: وكذلك في المكائل تتغير. وقد نزلت بطليطلة مسألة من أوصى لرجل بدنانير، فحالت السكة إلى سكة أخرى فشاور فيها فقهاء قرطبة، فأفتوا بوجوب الوصية من السكة الجارية يوم مات الموصي لا يوم أوصى وأقاموها من مسألة الخيش والمسح والخريطة الواقعة في آخر رسم أوصى من سماع عيسى، وليست تشبهها؛ لأن الوصية بذلك إنما كانت بحضرة وفاته، والخيش والمسح مملؤان طعاما والخريطة مملؤة دراهم، وإنما كانت تشبهها لو أوصى بهما والخيش والمسح مملؤان قمحا والخريطة مملؤة دنانير، فتوفى والخيش والمسح مملؤان شعيرا والخريطة مملؤة دراهم، وما أشبه ذلك. فمسألة الذي أوصى بجزء من ماله، أو بمثل نصيب أحد ولده، أشبه بها، وقد بينا وجه الحكم فيها، وبالله التوفيق.

.مسألة يوصي بثلثه إلى رجل ليس بوارث له:

قال مالك في رجل يوصي بثلثه إلى رجل ليس بوارث له، لينفذه حيث سمي الهالك، فيريد الورثة أن يقوموا منه، ويقولون: نحن نتهمه، إن ذلك ليس لهم، إلا أن يكون فيما أوصى به عتاقة، أو شيء تبقى منفعته للوارث، فيكون لهم أن يقوموا معه؛ لأن الولاء يصير إليهم، ويتهمونه أن يقول: قد أعتقت، ولم يعتق عنه أحدا، فلهم القيام معه في العتاقة، فإن كان الوصي وارثا فلهم القيام معه في العتاقة وفي غيرها حتى ينفذ كل ما جعل إليه الهالك من العتق وغيره.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في أول سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق.

.مسألة يهلك ويوصي للرجل بخمسين دينارا يتجر فيها سنة له ربحها:

قال مالك في الرجل يهلك ويوصي للرجل بخمسين دينارا يتجر فيها سنة له ربحها، وللهالك عليه خمسون دينارا حالة هو بها معسر، فيقول الورثة عليك خمسون دينارا حالة فإن أحببت أن تنقدناها ونعطيك الخمسين التي أوصى لك بها، وإن أحببت فهي نظرة لك سنة، إنه إن لم يكن بيده شيء يقبضونه منه، دفعت إليه الخمسون التي أوصى له بها، وابتغوا منه بعد ذلك الذي عليه إن وجدوا عنده شيئا.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأنه إذا كان معسرا بالخمسين التي عليه كان من حقه أن يؤخر بها حتى يوسر لقول الله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]. فإن لزم الورثة أن يؤخروه بها، لزمهم أن يدفعوا إليه وصيته، ولو كان ميسرا بها لكان من حقهم أن يؤخروه بها في الوصية التي أوصى له بها، ولو كان ميسرا ببعضها، لكان من حقهم أن يؤخروه بما أيسر به منها، ويدفعوا إليه بقية الخمسين يتجر بها سنة، وكذلك لو كان عليه دين لغيرهم لكان من حقهم أن يحاصوا أهل الديون بجميع الخمسين، فما نابهم في المحاصة من ماله أخذوه ودفعوا إليه الخمسين يتجر بها سنة كما أوصى. وإن شاءوا نزعوا بيده ما صار لهم في المحاصة ووفوه بقية الخمسين يتجر بها سنة، كما أوصى له به موروثهم. وفي آخر رسم التسمية من سماع عيسى مسألة من هذا المعنى سنتكلم عنها إذا مررنا بها إن شاء الله عز وجل وبه التوفيق.

.مسألة توفي وترك مالا وورثة وأوصى إلى رجل:

ومن كتاب الأقضية:
وسئل عمن توفي وترك مالا وورثة وأوصى إلى رجل، كيف ترى أن ينفق عليهم؟ قال: ينفق على كل إنسان من مصابته بقدره، ليس الصغير كالكبير، فقيل له: من قدر حصته؟ فقال: ينفق عليه من حصته، وليس الصغير في ذلك كالكبير.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا إشكال فيه؛ لأن نفقة كل واحد منهم على نفسه، بقدر ما يحتاج إليه من ماله، قل أو كثر، فلا يصح أن تكون النفقة عليهم من جملة المال ملغاة، إذ لا يلزم أن يحمل بعضهم شيئا من ذلك عن بعض، وبالله التوفيق.

.مسألة عمن أتاه أخ له من إخوته بكتاب وصيته، قد طبع عليها، فيقول له: اكتب شهادتك في أسفله على إقراري أنه كتابي:

وسألته عمن أتاه أخ له من إخوته بكتاب وصيته، قد طبع عليها، فيقول له: اكتب شهادتك في أسفله على إقراري أنه كتابي، ولا يعلم الشاهد ما فيها، فيكتب شهادته في أسفلها على إقراره أنها شهادة وصيته. أترى أن يشهد بها؟ فقال: إن لم يشك في خاتمه، فليشهد، وإن شك فلا يشهد إذا كانت الوصية ليست عنده. قلت له: كيف لا يشك في الخاتم إذا غاب عنه؟ فقال: لا أدري إن شك فلا يشهد. وإن تيقن أنه خاتمه بعينه لم يفض فليشهد. قال: وكان من أمر الناس القديم إجازة الخواتم، حتى إن كان القاضي لم يكتب للرجل بالكتاب إلى القاضي، فما يزيد على خاتمه، فيجاز له، حتى أحدث عند اتهام الناس الشهادة على خاتم القاضي أنه خاتمه، وأن أول من أحدثه أمير المؤمنين وأهل بيته.
قال محمد بن رشد: قوله: إن لم يشك في خاتمه أنه خاتمه، فليشهد، معناه: إن لم يشك في الطبع الذي أشهد هم عليه أنه هو بعينه لم يفض فليشهد، يبين ذلك قوله: وإن تيقن أنه خاتمه بعينه لم يفض فليشهد، وهذا ما لا سبيل للشاهد إلى تيقنه إذا لم تكن الوصية عنده، وقد بين ذلك بقوله: قلت له: وكيف لا يشك في الخاتم إذا غاب عنه؟ فقال: لا أدري، إن شك فلا يشهد، فذلك يرجع من قوله: إنه لا يجوز للشهود إذا أشهدوا على وصية مطبوع عليها أن يشهدوا فيها، إلا أن تكون الوصية عندهم قد دفعها الموصي إليهم على ما وقع في المدونة من قول مالك في رواية ابن وهب عنه: وإذا دفعها إليهم فدفعوها إلى أحدهم أو إلى من وثقوا به من غيرهم فكانت عنده، جاز لهم أن يشهدوا عليها. روى ذلك عبد الرحمن بن دينار عن ابن الماجشون. والذي يتوقع من هذا إذا شهد الشهود. على الوصية، وهي مطبوع عليها، ولم يدفعوها إليهم، وأمسكها عند نفسه أن يكون طبع عليها وهي بيضاء، فيكتب فيها بعدما شاء، ولعل غيره أيضا من أهله قد قبض خاتمه وكتب فيها ما شاء، وطبع عليها بذلك الخاتم، فلو طبع الشهود عليها مع طابعه لجاز لهم أن يشهدوا عليها إذا عرفوا خواتمهم. قال ذلك ابن الماجشون. والذي استحسنه الشيوخ ومضى عليه عمل الناس أنه إذا طوى الكتاب من أوله إلى موضع الإشهاد على نفسه، فطبعه، وقد أبقى الأشهاد على نفسه خارج الطبع، وكتب الشهود شهاداتهم على ذلك، فأمسك الموصي الوصية عند نفسه، فوجدت بعد موته خطا واحدا وعملا واحدا على صفة التقييد الذي كان خارج الطبع، ولم يظهر في الكتاب ريبة، جاز للشهود أن يشهدوا عليه، بخلاف إذا لم يبق من الكتاب خارج الطبع ما يستدل به على أن الوصية كانت مكتوبة، ولم تكن مطبوعة على بياض، ولو أراهم الوصية مكتوبة، وكتبها بحضرتهم فطبع عليها، وأشهدهم على نفسه بما فيها دون أن يقرأها عليهم أو يعلمهم بشيء مما فيها، فكتبوا شهادتهم فيها، لجاز لهم أن يشهدوا عليها بعد موته، وإن لم يدفعها إليهم وكانت عنده إلى أن توفي باتفاق إذا ذكروا الشهادة وعرفوا الكتاب على ما رواه ابن القاسم عن مالك في الوصايا الأول من المدونة، وأما إذا لم يذكر الشهادة ولا عرف الكتاب، إلا أنه عرف خطه في شهادته، فيجري ذلك على الاختلاف في شهادة الشاهد على خطه إذا لم يذكر الشهادة.
وقد مضى تحصيل ذلك في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة ضمن سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات. وقد ذكر البخاري عن الحسن وأبي قلابة أنهما كرها أن يشهد على وصية حتى يعلم ما فيها؛ لأنه لا يدري لعل فيها جورا، وكذلك استحب للعالم أيضا إذا أشهده المتعاملان على أنفسها في كتاب ذكر الحق مما تعاملا فيه، لا يكتب شهادته، إذ الشهادة على أنفسهما بما تضمنه وأقرا عنده بمعرفة ما فيه، حتى يقراه، لئلا تكون المعاملة في ذلك بينهما فاسدة. وقوله في الشهادة على كتاب القاضي: إن أول من أحدثه أمير المؤمنين وأهل بيته، يريد بني العباس وفى البخاري: إن أول من سأل البينة على كتاب القاضي ابن أبي ليلى وسوار بن عبد الله العنبري. وأجاب ابن حبيب: الكتاب يأتي إلى القاضي من أعراض المدينة بمعرفة الخط ومعرفة الختم، وبالشاهد الواحد إذا لم يكن صاحب القضية لقرب المسافة، واستدراك ما يخشى من التعدي وقال بذلك ابن نافع وابن كنانة في الحقوق اليسيرة، وبالله التوفيق.

.مسألة ابتاع رقبة للعتق فأعتقها عمن أوصى إليه:

قال: وسئل عمن ابتاع رقبة للعتق، فأعتقها عمن أوصى إليه أن يعتق عنه رقبة، ثم لحق تلك الرقبة عول سبعة عشر دينارا بعد ما عتقت، فقال: يمضي العتق، فيكون على الذي اشتراه فأعتقه سبعة عشر دينارا غرما عليه، فقال الرجل: أترى الغرم علي يا أبا عبد الله؟ فقال: نعم، إن الغرم عليك، فقال وكيف يكون الغرم علي وأنا إنما اشتريته لغيري في سوق المسلمين ببيع السلطان؟ فقال: أنت جعلت نفسك بهذه المنزلة، وأرى ذلك عليك، ولو شئت لم تشتره. فقال: وجدت أن يكون بيع السلطان أسلم لي، فقال له: قد أخطاك ذلك، فقال أفترى الغرم علي؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: قوله: إن الغرم في ذلك على الوصي، خلاف مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة لأنه قال في الذي يوصي أن يحج عنه، فينفذ الوصي ذلك، ثم يستحق رجل رقبة الميت، إنه إن كان الميت حرا عند الناس يوم التنفيذ، فلا يضمن له الوصي شيئا، ولا الذي حج عن الميت، وكذلك قال أيضا فيها في الذي يوصي أن يحج عنه فيدفع الوصي المال إلى عبد ليحج به عن الميت، وهو يظنه حرا، إنه لا ضمان عليه، والذي يأتي في هذه المسألة على ما في المدونة من أن الوصي لا ضمان عليه، إلا أن يفرط أو يتعدى أن يباع من الرقبة بالسبعة عشر دينارا التي لحقها من العول، وينفذ حرية باقيها، على قياس ما قاله في سماع موسى بن معاوية من هذا الكتاب، في الذي يوصي أن يباع غلامه رقبة، فبيع رقبة، ووضع المشتري ثلث الثمن، فأعتقه، ثم جاء درك على الهلاك من دين ثبت عليه، أنه يباع من العبد قدر ثلث الدين إن كان العبد ثلث المال، ويؤخذ من الورثة ثلثا الدين، وإن كان العبد أقل من ثلث المال، فعلى حساب ذلك؛ لأنه بنى جوابه في ذلك على أن الموصي لا ضمان عليه، على أن الوصية إنما هي للعبد، لا للمشتري، خلاف ما ذهب إليه ابن كنانة أن الوصية إنما هي على المشتري، الذي حط عند ثلث ثمنه، فيرجع بذلك عليه ويمضي عتق العبد، ولا يباع منه شيء، وقول ابن كنانة هذا يأتي على مما أوصى في رسم الوصايا من هذا السماع، إنه إن لم يوجد من يشتريه، إلا بوضيعة الثلثين، لا يباع ولا ينفذ له الوصية. وقد مضى الكلام على هذا هنالك. وظاهر ما في رسم الأقضية من سماع يحيى أنه لا ضمان على الوصي، مثل ما في المدونة وقول غير ابن القاسم في المدونة، وهو أشهب ليبين جهلهم، يريد: إلا وصاياه الذي يزيد عنهم الضمان، مثل روايته هذه عن مالك في أن السبعة عشر دينارا لعول يكون على الوصي، ورأيت لابن دحون أنه قال: إنما لزمه السبعة عشر دينارا لأنه فرط، إن لم يكشف الأمر قبل العتق، ولو علم أنه لم يفرط وأنه اجتهد في فعله لم يلزمه شيء، ورد من رقبته المعتقة بقدر الدين، ولا اختلاف عندي في أنه ضامن إذا تبين تفريطه، وإنما الاختلاف إذا لم يتبين ذلك، فحمله على التفريط في هذه الرواية وضمنه وهو قول أشهب في المدونة على ما ذكرناه، وحمله في المدونة على غير التفريط فلم يوجب عليه ضمانا، ولا اختلاف في ذلك من قول ابن القاسم منصوص عليه قرب آخر الرسم الأولى من سماع أصبغ في الوصي يشتري الرقبة فيعتقها عن الميت، فيستحق رجل نصفها ويأخذه؛ لأنه قال فيما حكى عنه أصبغ مرة: إنه يقوم على الوصي، وقال مرة: إنه يقوم على الورثة لا على الوصي، وإياه اختار أصبغ، وفي سماع أبي زيد: إن الوصي ضامن إذا اشترى نصرانية فأعتقها عن رقبة واجبة عن الميت، قال: لأنه فرط حين لم يسأل ويستحضر، وهو مثل أحد القولين. وفي قوله في الرواية: وكيف يكون الغرم علي وإنما اشتريته في سوق المسلمين ببيع السلطان إلى آخر قوله نظر إذ لا فرق فيما يوجبه الحكم فيما يلحق الرقبة من العول بين أن يشتريها فيما يبيع السلطان، أو ممن يبيع ماله. وكان مالك في ظاهر قوله قد سلم له اعتراضه، إذ لم يرده عليه بأن يقول له: وأي فرق بين أن يشتريها بما يبيع السلطان أم لا إذا لحقها العول؟ ولم يذهب مالك إلى تسليم اعتراضه، إذ لا يصح أن يسلم، وإنما ضرب على ذلك إذ رأى فساد اعتراضه فقال له: أرى ذلك عليك لو شئت لم تشتره أي لو شئت لم تشتره حتى يثبت فيعلم السلامة من أن يلحقها عول، وبالله التوفيق.

.مسألة وصية عمر بن الخطاب إلى حفصة زوج النبي:

ومن كتاب الطلاق:
قال مالك: أوصى عمر بن الخطاب إلى حفصة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال مالك: وأرى فعل ذلك لمكانها من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
محمد بن رشد: تأويل مالك رَحِمَهُ اللَّهُ بين، إذ لا شك في أن لها بكونها زوجة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مزية على سائر أولاده. وبالله التوفيق.

.مسألة أخوين مرض أحدهما وأوصى لآخر صحيح فزوج المريض ابنه بنت أخيه:

وسئل عن أخوين مرض أحدهما وأوصى لآخر صحيح، فزوج المريض ابنه بنت أخيه، وضمن الصداق عن ابنه وزوج الصحيح ابنه بنت أخيه وضمن الصداق على ابنه، وأعتق المريض أم ولده، وأصدقها ألفي درهم، ثم مات، فقال مالك: أما المريض الذي ضمن الصداق عن ابنه، فليس بجائز، والنكاح الذي أنكح ابنه جائز لازم، والمال الذي ضمن وسمى ليس بجائز في ماله، إن أحب الابن أن يعطي ذلك الصداق من مال نفسه جاز ذلك، وإن كره فارق ولا شيء عليه، وأما الذي أعطاه الأخ الآخر من مال نفسه وضمن وهو صحيح، فذلك جائز ثابت؛ لأنه يقضي في ماله ما بدا له، وأما ما ذكرت من عتق المريض أم ولده في مرضه، ونكاحه إياه في مرضه، فإن عتقه جائز؛ لأنها تعتق من بعد موته، لما مضى في ذلك من السنة، ولا يحسب في ثلثه ولا في غيره من رأى ماله، فأما نكاحه إياها فليس بجائز، ولا صداق لها ولا ميراث في ثلث ولا غيره من رأس ماله، إلا أن يكون دخل بها، فإن كان دخل بها، رأيت صداقها من الثلث مبدأ على أهل الوصايا. قلت له: أرأيت لو كان ذلك الصداق أكثر من صداق مثلها؟ قال: أرى ذلك كله لها، قلت له، وراجعته: فقال: ما شأنه أعطاها ذلك. فقلت: أرى أن يوجد لها ما أعطاها، وهو أضعاف صداقها بالدخول، فقال: إنما يكون ذلك كله لها وإن كان ذلك أكثر من صداق مثلها.
قال محمد بن رشد: قوله في المريض الذي زوج ابنه بنت أخيه، وضمن الصداق عنه: إن ذلك ليس بجائز، معناه: إن ذلك لا يلزم ورثته إن مات من مرضه ذلك، ولهم أن يردوه؛ لأنه وصية لوارث، وقوله: والنكاح الذي أنكح ابنه جائز لازم للزوجة، إن رضي الابن أن يعطي الصداق من ماله إن كان كبيرا أو رأى ذلك الوصي إن كان صغيرا، ولا اختلاف في أن الصداق لا يجب للابن في مال الأب إن مات من مرضه، وحمل عنه الصداق، فقيل؟ إنها وصية للبنت لا تجوز، إلا أن يجيزها الورثة. وقيل: إنها وصية للزوج تجوز له من ثلثه، إلا أن يكون الصداق الذي سمى لها، وحمله عن الزوج أكثر من صداق مثلها، فيكون الزائد على صداق مثلها وصية لها باتفاق، لا تجوز إلا أن يجيزها الورثة.
وقد مضى هذا كله والقول عليه مستوفى في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب النكاح. وقد قال مالك في المدونة فيما يضمن الأب عن ابنه في مرضه: لا يعجبني هذا النكاح. ووجه كراهيته له ما دخله من الخيار. ووجه القول الآخر أنه خيار لم ينعقد عليه النكاح، وإنما وجب الحكم، فلم يكن فيه تأثير كالسفيه، يتزوج بغير إذن وليه، والعبد بغير إذن سيده. وأما الصحيح إذا زوج ابنه ابنة أخيه، فضمن عنه الصداق، أو زوج ابنته ابن أخيه، فضمن عنه الصداق، فلا اختلاف في لزوم الصداق، وجواز النكاح، وكذلك إذا فعل ذلك في مرضه فصح ولم يمت من ذلك المرض. وقوله في الذي أعتق أم ولده في مرضه وتزوجها فيه: إن العتق جائز، فلا صداق لها ولا ميراث في رأس مال ولا ثلث، صحيح لا اختلاف فيه. وأما قوله: إلا أن يدخل بها فيكون لها الصداق من الثلث مبدأ على أهل الوصايا وإن كان ذلك أكثر من صداق مثلها، فهذا يختلف عنه في موضعين: أحدهما: في الزائد على صداق المثل، قيل: إنه يبطل، وهو ظاهر ما في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة. وقيل: إنه يكون لها غير مبدأ، وهو قول أصبغ. وروي ذلك عن ابن القاسم، وقيل: إنه يبدأ جميع ما سمى لها وإن كان أكثر من صداق مثلها، وهو قوله في هذه الرواية وقول ابن الماجشون،. ورواية ابن نافع، وعلي بن زياد، وابن عبد الحكم، عن مالك، واختيار سحنون. والموضع الثاني قوله: إنه يبدأ على جميع الوصايا، فقيل: إنه يبدأ على جميعها المدبر في الصحة وغير ذلك، وقيل: إنه يبدأ على جميع الوصايا، حاشا المدبر في الصحة، فإنه يبدأ عليه، وقيل: إنه لا يبدأ أحدهما على صاحبه، والثلاثة الأقوال لابن القاسم، وبالله التوفيق.